مقدمة لا بد منها : لقد أردنا في هذا الشهر العظيم .. أن نعيد المسلمين إلى تاريخهم العريق .. إلى الرجال الذين باعوا نفوسهم وأرواحهم من أجل تبليغ هذا الدين .. وإنه لمن المحزن أن يعرف شبابنا هذه الأيام .. الممثلين والممثلات والمغنيين والمغنيات واللاعبين واللاعبات .. الأحياء منهم والأموات .. ولا يعرف صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .. وأجدادنا الذين بلغوا إلينا دين الإسلام .. وحملوا على أعناقهم هذا الدين .. فالله الله في التعرف على قصص الصحابة .. ودراسة تاريخهم .. فأمة لا تعرف تاريخها .. هي أمة لا تستحق أن تعيش ..
قاله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم يوما : " من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض ، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله " (الترمذي وابن ماجة )
إنه الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله ، أحد العشرة الذين بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة ، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام ، وأحد الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليكون منهم خليفة.
كان طلحة قد سافر إلى أرض بصري بالشام في تجارة له ، وبينما هو في السوق سمع راهبا في صومعته يقول : سلوا أهل هذا الموسم أفيههم أحد من أهل الحرم ؟
فذهب إليه طلحة ، وقال له نعم أنا .
فقال الراهب : هل ظهر أحمد
قال طلحة : ظهر أحمد ؟
قال الراهب : ابن عبد الله ابن عبد المطلب ، هذا شهره الذي يخرج فيه ، وهو آخر الأنبياء ، ومخرجه من الحرم ، ومهاجره إلى نخل وحرة ويباخ (يقصد المدينة المنورة) فإياك أن تسبق إليه.
فوقع كلام الراهب في قلب طلحة ، ورجع سريعا إلى مكة ، وسأل أهلها : هل كان من حدث ؟ قالوا نعم : محمد الأمين تنبأ ، وقد تبعه ابن أبي قحافة ، فذهب طلحة إلى أبي بكر ، وأسلم على يده ، وأخبره بقصة الراهب (ابن سعد) فكان من السابقين إلى الإسلام ، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر.
ورغم ما كان لطلحة من ثراء ومال كثير ومكانة في قريش ، فقد تعرض لأذى المشركين واضطهادهم مما جعله يهاجر إلى المدينة حين أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة.
المهمة الرسمية
وجاءت غزوة بدر لكنه لم يشهدها ، وقيل إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسله في مهمة خارج المدينة ، وحينما عاد ووجد المسلمين قد عادوا من غزوة بدر حزن طلحة حزنا شديدا لما فاته من الأجر والثواب ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبره أن له من الأجر مثل من جاهد ، في المعركة ، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سهما ونصيبا من الغنائم مثل المقاتلين تماما.
ثم شهد طلحة غزوة أحد وما بعدها من الغزوات وكان يوم أحد يوما مشهودا، أبلى فيه طلحة بلاء حسنا حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض (ابن عساكر)
وحينما نزل قول الله تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا "
قال النبي صلى الله عليه وسلم طلحة ممن قضى نحبه (الترمذي).
حصن الرسول صلى الله عليه وسلم :
وحينما حدث اضطراب في صفوف المسلمين وتجمع المشركون حول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل منهم يريد قتله ، وكل منهم يوجه السيوف والسهام والرماح تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا بطلحة البطل الشجاع بشق صفوف المشركين حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل من نفسه حصنا منيعا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أحزنه ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر رباعيته (أي مقدمة أسنانه) ، وشج رأسه ، فكان يتحمل بجسمه السهام عن رسول الله ، ويتقي النبل عنه بيده حتى شلت يده ، وشج رأسه ، وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى صعد على صخرة ، وأتاه أبو بكر وأبو عبيدة ،فقال لهما الرسول : " اليوم أوجب طلحة يا أبا بكر " ثم قال لهما عليكما صاحبكما فأتيا إلى طلحة فوجداه في حفرة ، وبه بضع وسبعون طعنة ورمية وضربة وقد قطعت إصبعه وكان أبو بكر الصديق إذا ذكر يوم أحد قال ذاك يوم كله لطلحة ، وقد بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة.
الجود والكرم :
وقد بلغ مبلغ عظيما في الجود والكرم حتى سمى بطلحة الخير ، وطلحة الجود ، وطلحة الفياض ، ويحكي أن طلحة اشترى بئر ماء في غزوة ذي قرد ، ثم تصدق بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت طلحة الفياض " ومن يومها قيل له طلحة الفياض.
وقد أتاه مال من حضرموت بلغ سبعمائة ألف ،فبات ليلته يتململ ، فقالت له زوجته : مالك ؟ فقال : تفكرت منذ الليلة ، فقلت : ما أظن رجل بربه ببيت وهذا المال في بيته ؟ فأشارت عليه أن يقسم هذا المال على أصحابه وإخواته ، فمر من رأيها وأعجب به ، وفي الصباح ، قسم كل ما عنده بين المهاجرين والأنصار ، وهكذا عاش حياته كلها كريما سخيا شجاعا ، واشترك في باقي الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان.
الراجع إلى الحق.
وحزن حزنا شديدا حينما رأى قتل عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ واستشهاده ، واشترك في موقعة الجمل مطالبا بدم عثمان وبالقصاص ممن قتله ، وعلم أن الحق في جانب على ، فترك قتلاه ، والسحب من ساحة المعركة وفي أثناء ذلك أصيب بسهم فمات.
رضي الله تعالى عن طلحة بن عبيد الله .. وتقبله الله في الشهداء .. وهذه هي سير الأبطال .. التي تسطر بالدماء لتتذاكرها الأجيال على مدى آلاف الأعوام