قال الزوج لزوجته «إنت الجوهرة المصونة يا عيونى ولا أريد عينا تراك غير عيونى»، صدقت الزوجة المحبة كلامه بالطبع، أصبحت لا تخرج إلا وهى مختفية تماما تحت النقاب لا يظهر منها شىء، تمشى معه فى الطريق فلا تقع عليها عين إنسان أو حيوان، تشعر بالزهو باعتبارها الجوهرة المصونة عن العيون الجائعة من بنى آدم أو بنات حواء الآثمة. رغم كثافة النقاب الأسود، عيناها نفاذتان، بصرهما حاد، تخترق نظرتها القماش السميك المعتم فترى الطريق، وترى أيضا وجوه البشر، رجالا ونساء وشبابا، تلتقط وجوه الشابات من عمرها، يتنزهن على شاطئ النيل، سافرات مرحات بلا حجاب أو نقاب، شعورهن يطيرها الهواء، يرتدين الفساتين الهفهافة الشفافة، يتراقصن فى مشية رشيقة جذابة، كعوبهن العالية رفيعة مدببة، تدق الأرض بقوة وثقة، نهودهن تحت القماش الخفيف مدببة أيضا، تهتز مع اهتزازة الردفين، تخرق أى عين عيونهن المفتوحة عن آخرها واسعة مكحلة، عيون المها والحور العين، نظراتهن النهمة كالسهام تنطلق دون لجام، تصيب الذكور السافرين السائرين فى الطريق، وجوههم عارية عيونهم مفنجلة، إلى جوار كل ذكر منهم حرمته المخفية، يختلسن إليها النظرات بسخرية، مثل قطعة أثرية من عصر العبيد والسخرة، ضحكاتهن، قهقهاتهن مع طرقعة اللبان تنطلق فى الجو، يتبادلن النكات والقفشات والفكاهات مع زوجها الشامخ بأنفه مثل أبوالهول، تمد إحداهن عنقها نحو أذنه وتهمس له بكلمة إعجاب، فتاة أخرى أكثر جرأة تمسك يده، تشده من شاربه أو لحيته المتدلية فوق صدره. قد يتجاوب معهن الزوج أو يتجاهلهن، رجال آخرون يتبادلون معهن كلمات الغزل، تجرى الفتاة وراء الزوج، طويل القامة شامخ بالفحولة، لا تبالى بكتلة السواد السائرة إلى جواره، تجرى البنت وراءه مصرّة على امتلاكه، يعرض عنها فى زهد ويمضى فى طريقه، ثم يختلس إليها النظر من بعيد، من وراء ظهر الجوهرة المصونة. شابة جميلة متألقة بالحياة والشباب والحيوية، ليست مثل القطعة العتيقة الجوهرة الأثرية الملاصقة له، يود الخلاص منها لولا دستة الأولاد، لولا الإشفاق والعطف عليها، خدمته العمر كله، كيف يتطلع إلى امرأة غيرها، لكن الله منحه حرية الزواج بأربع، لماذا لا ينفذ أمر الله؟ لماذا لا يستمتع بهذه الأنثى الشهية؟ وكله فى الحلال يا رجل، يترك جوهرته المصونة نائمة تحت الخيمة ويمضى وحده فى الليل، تمضى به الفتاة اللعوب بعيدا عن بيته وعياله الدستة، تطبق بيدها على يده بإحكام، قبضت الفتاة على جوهرة ثمينة، له رصيد فى البنك وقطعة أرض، يشكو لها تعاسته الزوجية، حرمانه من لذة الجنس فى عش الزوجية، زوجته عفيفة ترتدى حزام العفة منذ الطفولة، لا تتعرى أمامه فى الفراش، حاول أن يعلمها «الفسق» فى الجنس دون جدوى، منذ طفولتها ترتدى الخيمة السوداء، تسمع كلام أبيها والدعاة فى الفضائيات والجوامع، اللذة الجنسية فحشاء، إثم كبير، وغواية إبليس، تحرق فى نار الجحيم إلى أبد الآبدين. تتدلل الفتاة اللعوب على الزوج التقى الوقور، يداعبها بإصبعه مثل إصبع إبليس، يبتلع حبة الفياجرا دون جدوى، خياله جامح أمله فى الله كبير، تؤكد له الفتاة أن الحب أهم من الجنس، يصدق الرجل البنت من عمر أولاده، تتمنع وتتدلل، تقول إنها شريفة نقية لا تسلم نفسها إلا على سنة الله ورسوله، يعرض عليها الزواج بعقد عرفى، يقول لها إنه عقد شرعى حلال، ترفض بكل إباء وشمم، تعرف البنت الواعية أنها لن ترثه بالعقد العرفى، تقنعه فى الفراش أنها تحب روحه وعقله، لا تهتم بالجنس، فالحب الروحى فى رأيها من عند الله، لا علاقة له بالجسد والماديات والميراث، يتدله الرجل فى عشق جسدها البض، يتصور أنها تحبه فى ذاته ولذاته كأنما الإله، يقول لنفسه إنها نقية طاهرة الذيل مثل السيدة العذراء، يعرض عليها الزواج الرسمى بالعقد الكامل والمأذون، تتدلل الفتاة وتقول إنها لا تقبل أن تكون زوجة ثانية، لا يمكن أن تشاركها امرأة أخرى فى حبه لها. وتقول البنت الذكية للرجل العجوز: لن أشرك رجلا آخر فى حبى لك، فكيف أقبل أن تشاركنى فيك امرأة أخرى؟ يقتنع عقله المتهافت بمنطق البنت السليم، يرسل ورقة الطلاق إلى الجوهرة المصونة فى عش الزوجية الأمين. الجوهرة المصونة أصبحت تحمل لقب حرمة قديمة مطلقة، مخلوعة مثل الحذاء، مثل قطعة غيار مستهلكة، فى مركبة لم تعد صالحة للركوب، تقضى سنين عمرها الأخيرة وحيدة، تجتر الحزن والندم بعد فوات الأوان، لم تعرف طوال حياتها إن كان زوجها يخلص أو يخون العهد، يصدق القول أو يكذب، يخرج فى الليل ليعود قرب الفجر، يفوح منه عطر الأنثى، أهى واحدة من الشابات الجديدات الوقحات؟ عيونهن المفنجلة تتطلع إلى زوجها فى الطريق، يتغزلن فى عيونه النفاذة يكسوها البريق، شعره الأكرت المجعد بخشونة الذكورة، أنفه الشامخ له غضروف مدبب، قامته الفارعة، سيارته الجديدة، شقته الملك، رصيده فى البنك، والفدادين فى القرية التى ورثها عن أبيه، أو على الأقل معاشه الشهرى الضخم من الحكومة أو المؤسسة الوطنية الكبرى أو الأجنبية. قال العريس واهن الجسد مغيب العقل لعروسه الشابة المدللة: «يا عيونى إنت جوهرة مصونة، لا أريد أن تراك عيون غير عيونى»، رمقته الفتاة بعينيها الجارحتين كالصقر وقالت: «وأنت يا حبيبى جوهرة مصونة لا أريد أن تراك عيون غير عيونى»، قال له عقله العجوز: «كلامها عين العقل، أنها تحبك بجنون كما تحبها بجنون ولا تريد أن تراك امرأة أخرى فتخطفك منها». سال لعابه على ذقنه من شدة السعادة، استولت العروس الجديدة على إيراده وميراث أبيه، لم يرسل شيئا لزوجته المخلوعة وأولاده وبناته، قالت الفتاة اللعوب وهى تلاعبه فى الفراش: أنت مظلوم يا عيونى، تدفع فلوسك للضرة الكركوبة، عروستك مسؤولة منك يا جوهرتى المصونة، وبيتك الجديد، ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع! على شاطئ النيل ضحك البنات والأولاد حتى ماتوا من الضحك، كانت الزوجة الجديدة الشابة تمشى شامخة بأنفها فى السماء، وجهها مشرق بالضياء، ترفل فى النعيم والحرير، عيناها يكسوهما بريق، مفتوحتان حادتان كعينى الحدأة، تنطلق منهما السهام إلى عيون الرجال السائرين السافرين، وجوههم مكشوفة عيونهم مفنجلة، يغمزون لها وتغمز لهم، إلى جوارها تمشى كتلة من السواد تحت النقاب، تسحبه- المسكين- من يده، تناديه بصوت ناعم حنون: يا جوهرتى المصونة. |