هل يدفع مبلغاً للحصول على وظيفة ؟
سؤال:
هل يجوز دفع مبلغ من المال مقابل الحصول على وظيفة حكومية ؟ وخاصة إذا ما كانت الوظائف غير متاحة في الغالب إلا بهذه الطريقة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الوظائف الحكومية تعتبر حقا مشتركا يستوي فيه أصحاب الأهلية بناء على شهاداتهم وقدراتهم ، فلا فضل لأحد فيها على أحد إلا باعتبار الكفاءة ، وعلى القائمين عليها أن يختاروا الأكفأ والأصلح ، دون محاباة أو رشوة .
ثانياً :
للإنسان أن يوسط من يشفع له في وظيفة من هذه الوظائف ، بشرط أن يكون أهلاً لها ، ولا يترتب على ذلك التعدي على حقوق الآخرين .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/389) :
" إذا ترتب على توسط من شفع لك في الوظيفة حرمان من هو أولى وأحق بالتعيين فيها ، من جهة الكفاية العلمية التي تتعلق بها ، والقدرة على تحمل أعبائها ، والنهوض بأعمالها مع الدقة في ذلك ، فالشفاعة محرمة ؛ لأنها ظلم لمن هو أحق بها ، وظلم لأولي الأمر ، وذلك بحرمانهم من عمل الأكفأ وخدمته لهم ومعونته إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة ، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها ويقوم بشئونها في هذا الجانب على خير حال ، ثم هي مع ذلك تولد الضغائن وظنون السوء ، ومفسدة للمجتمع ، وإذا لم يترتب على الوساطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة بل مرغب فيها شرعاً ويُؤجر عليها الشفيع إن شاء الله ، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان رسوله ما يشاء ) البخاري (1342) " انتهى .
ثالثاً :
أما دفع المال لهذا الوسيط ، ففيه تفصيل :
1- إن كان هذا الوسيط هو المسئول عن اختيار الموظفين ، أو يستغل نفوذه وسلطته في ذلك ، فدفع المال له رشوة محرمة ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش . أي : دافع الرشوة ، وآخذها ، والواسطة بينهما .
وروى البخاري (6636) ومسلم (1832) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي . فَقَالَ لَهُ : ( أَفَلا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لا ؟!) . ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ : ( أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ : هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ، أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا ...) .
2_وإذا كنت أهلاً لهذه الوظيفة ، ولا يترتب على دفعك الرشوة التعدي على حقوق أحد ، أو حرمان من هو مثلك أو أولى ، ومُنِعْتَ حقَّك إلا بهذه الرشوة ، جاز لك دفعها في هذه الحال ، تحصيلا ًلحقك ، وإن كانت محرمة على الآخذ . سواء كان هذا المال مدفوعاً إلى المسئول عن ذلك أو إلى شخص آخر أخذ هذا المال ليتوسط لك عن ذلك المسئول .
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" ( 8/118) : " ولا تحل الرشوة : وهي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل , أو ليولي ولاية , أو ليظلم له إنسان ، فهذا يأثم المعطي والآخذ .
فأما من منع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطي , وأما الآخذ فآثم " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراماً على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي يقول : ( إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا . قيل : يا رسول الله , فلم تعطيهم ؟ قال : يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل ) . ومثل ذلك : إعطاء من أعتق وكتم عتقه , أو أسر خبرا , أو كان ظالما للناس فإعطاء هؤلاء جائز للمعطي , حرام عليهم أخذه .
وأما الهدية في الشفاعة , مثل : أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة , أو يوصل إليه حقه , أو يوليه ولاية يستحقها أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك , أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القراء أو النساك أو غيرهم , وهو من أهل الاستحقاق , ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب , أو ترك محرم , فهذه أيضا لا يجوز فيها قبول الهدية , ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه , هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر " انتهى من الفتاوى الكبرى (4/174).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " أما الرشوة التي يتوصل بها الإنسان إلى حقه ، كأن لا يمكنه الحصول على حقه إلا بشيء من المال ، فإن هذا حرام على الآخذ ، وليس حراماً على المعطي ، لأن المعطي إنما أعطى من أجل الوصول إلى حقه ، لكن الآخذ الذي أخذ تلك الرشوة هو الآثم لأنه أخذ ما لا يستحق " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/302) .
والله أعلم .
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان العمل الذي سيوفره لك ليس من حق أحد غيرك، وكنت كفؤاً له، ولا تستطيع الحصول عليه إلا بالرشوة، فلا نرى بأساً بذلك، لأن الحصول على الحق إن لم يتوصل إليه إلا بالرشوة جاز، ولتنصح الشخص الذي يريد الرشوة، بأن يجعل ذلك خالصاً لوجه الله تعالى، والله عز وجل سيخلف عليه أفضل مما ترك،
والله أعلم.
منقول