بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خير خلق رب العالمين .. محمد صادق الوعد الأمين .. وعلى آله وصحبه الأطهار والتابعين .. صلاة وسلاما إلى يوم الدين
قد كثر الحديث عن الإعجاز العلمي في الزمن المعاصر وكثر التعمق فيه وتدارسه وانهالت عليه فئة من الناس فتعمقت في دراسته وأكثرت منه .. فخرجت ببعض الفوائد للأمة من تبصير وتنوير لها .. ولا يخفى أن بعضه كان شارحا لآيات قرآنية كثيرة ومبديا لمعجزات كثيرة ومظهرا لصدق الرسالة المحمدية
غير أن الغلو في هذا العلم أدى إلى أخطاء كثيرة بعضها يطعن في العقيدة والشريعة الإسلامية
وبعضها يمت عن جهل مستفحل فكان حجة علينا لا لنا
ومثل هذا قد كثر في الآونة الأخيرة ما دفعني إلى كتابة هذا البحث وما رأيته من استخفاف أهل الكفر بديننا بسبب هذا الأمر ألح علي أكثر وأكثر
وقد كان لبعض الإخوة جزاهم الله خيرا فضل علي في هذه المسألة إذ كانوا ممن يقفون معي وبعضهم طلب مني أن أزوده بكل ما يختص بهذا الموضوع فقلت أجمع قولي في بحث عسى أن ينتفع به
فأبدأ بعد البسملة فأقول :
إن ديننا دين اعتدال ووسطية مصداقا لقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ... } البقرة ( 143 )
وما دام ديننا دين اعتدال فإنه إذا يرفض الغلو والتكلف في الأمور إذ لا شيء يعدل الوسطية
ولما خرجت لنا فئة من الناس تدعي العلم وهو منها بريء وتحدثت باسم الإسلام وهو منها أبرأ قد غلت وتعسفت في أمور دينية ودنيوية خلطت فيها كلاما صالحا وآخر فاسدا
والفاسد فيها أكثر من الصالح
كان الواجب علينا أن نحذر من هذا الكلام الذي قد جرف معه تيارا لا يستهان به من عامة الناس الذين ليس لهم كثير علم في أمور الدين
وإن مظاهر الغلو في الإعجاز العلمي قد كثرت في الآونة الأخيرة ويحسبها الناس تورعا وما هي بتورع
بل يشقون على أنفسهم ويكلفونها ما لا تطيق
وهم يحسبون أنهم على خير وما هم على ذلك
وميزاننا في ذلك شريعة الله تعالى ودينه
إذ ما من شيء إلا ويجب أن نعرضه على شريعة الله تعالى لنرى هل هو فيها مقبول أم متروك مرفوض
وكان من مظاهر هذا الغلو الآتي :
أولا : -
تلك الصور التي يظهر – أو يزوّر أحيانا – فيها لفظ الجلالة أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم لتكون دليلا على صدق الدين الإسلامي وعلى صدق رسالة النبي صلى الله عيه وسلم
فأقول : إن ديننا قد اكتمل في حجة الوداع كما في سورة المائدة " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً "
وكل ابتداع فيه بعد ذلك دون دليل من الكتاب أو السنة فهو باطل مردود على صاحبه
وديننا لا يحتاج لمثل هذه الأشياء لإثبات مصداقيته ولو أن هذه الأشياء كانت مقياسا لمصداقية دين أو عدمها فقد طعنا في ديننا دون أن نعلم
فهذه الأشياء إنما هي أشياء عارضة تروح وتجيء بناء على قدر لها دون إرادة منها فلا تكون مقياسا لمصداقية دين أو عدمها
ولا يستدل في ديننا على صدقه إلا بالوحي إما عن طريق القرآن أو السنة إذ هو قطعي الثبوت وأما غيره من الاجتهادات أو الإعجازات فهي تحتمل الخطأ والصواب بخلاف الوحي الذي هو معصوم
وللتوضيح أكثر فلنضرب مثالا بصورة السحابة :
فالسحاب يتحرك ويتشكل بناء على حركة الرياح وليس له شكل محدد ولا حجم محدد فتراه مرة يتشكل على هيئة حيوان معين ( بصورة تقريبية ) وتارة على شكل حرف معين ولا يمنع أن يتشكل بشكل قريب من لفظ الجلالة
وكل هذا لا يمنع أن تصيبه الرياح من جهة معينة فيصبح قريبا من شكل الصليب فتقوم قائمة النصارى حينها فيقولون السحاب يشهد للنصرانية ..
فما رد المسلمين حينئذ , فإن احتجوا فسيقال أما كنتم آمنتم بلفظ الجلالة , ونحن نؤمن بصليبنا
فكان اعتماد المسلمين – عن جهل ساقط من بعضهم – على أدلة ركيكة وهي ليست بأدلة إنما التكلف والتعسف يدفعان المرء ليجعلها أدلة وما هي من قوة الحجة بشيء
ومن هذا المنطلق كان الغلو في هذه الأمور خطأ كبيرا ولأن ديننا قوي الحجة لا يحتاج لمثل هذه الأشياء لإثباته .. فلو أراد المرء أن يتفكر فأمامه كون فسيح يشهد لهذا الدين بل أمامه نفسه قبل كل شيء فهذه حجة قوية لكل معترض تردعه عن اعتراضه إلا أن يكون جاهلا أو متكبرا عاتيا
وأما تلك الصور فهي ظواهر عادية تستحدث كل يوم بل كل دقيقة فلم يكن رسمها ذلك الدليل القوي
ولأن قوي الحجة يحتج بدليل قوي كقوة حجتهم وظهورها أما هؤلاء فكأنما يستدلون بلا دليل ولو أنهم جعلوا تحريك وتسيير السحاب في السماء – على سبيل المثال – آية لكانت حجتهم قوية فهذه لا يعترض عليها إلا جاهل لأن السحاب ما كان ليتشكل ويتحرك إلا وهناك من يسيره ويقدر حركته وهو سبحانه يجعله بشتى الأشكال والأحجام
أما أن يجعل شكل السحاب معجزة إلهية فهذا ما أنزل الله به من سلطان فلو قلنا بذلك وقدر الله لسحابة أن تكون قريبة من شكل النار مثلا فهل ننقلب إلى عبادتها من دون الله ؟؟!!!
فهؤلاء كأنما يقولون بذلك وهم لا يعلمون
وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون
وقد قال سيد قطب رحمه الله :
( لا يجوز أن نعلق الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن أحيانا عن الكون في طريقه لإنشاء التصور الصحيح لطبيعة الوجود وارتباطه بخالقه , وطبيعة التناسق بين أجزائه . . لا يجوز أن نعلق هذه الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن , بفروض العقل البشري ونظرياته , ولا حتى بما يسميه "حقائق علمية " مما ينتهي إليه بطريق التجربة القاطعة في نظره . إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة . أما ما يصل إليه البحث الإنساني - أيا كانت الأدوات المتاحة له - فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة ; وهي مقيدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأدواتها .. فَمِن الخطأ المنهجي - بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته - أن نُعَلِّق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية . وهي كل ما يصل إليه العلم البشري . اهـ . )
وقد قال أيضا في تفسيره لآية الخامسة من سورة الزمر : " ( .. يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل .. )
وهو تعبير عجيب يقسر الناظر فيه قسراً على الالتفات إلى ما كشف حديثاً عن كروية الأرض ومع أنني في هذه الظلال حريص على ألا أحمل القرآن على النظريات التي يكشفها الإنسان , لأنها نظريات تخطى ء وتصيب , وتثبت اليوم وتبطل غداً . والقرآن حق ثابت يحمل آية صدقه في ذاته , ولا يستمدها من موافقة أو مخالفة لما يكشفه البشر الضعاف المهازيل ! "
وأما سخرية أهل الكفر منا فهي تتجلى في غباء بعضنا إلا من رحم ربي والبقية هنا :
http://www.tkroni.com/up/store/tkroni_UXjLvIvwFg.jpg
ثانيا : -
ومن بين هذه الصور ما يصور فيه الشمس والقمر بحالات معينة – بعضها فيه شيء من التزوير والتلاعب –
ويستشهد صاحب هذه الصور بآيات قرآنية عدة تتناسب مع الصورة - في نظره -
وحين تعود للآية تجدها تتحدث عن يوم القيامة فتعلم أن هؤلاء يزورون حقائق كونية أو يضعون الكلم في غير مواضعه
لترويج صور عديدة أو كسب ود الناس ونشر الإعلانات المختلفة وكل هذا تحت مسمى التورُّع
فكيف يزور هؤلاء حقائق يوم القيامة ويجعلونها حقائق دنيوية لتلبية مقاصد معينة
ومن المعلوم أنه من أراد أن يستشهد بشيء فيجب أن يكون صوابا لا يشوبه شيء
فإن شابه شيء من تزوير أو كذب بطل الدليل مما يؤدي أحيانا إلى بطلان المستدل له وحاشى ديننا من ذلك
وآيات الكون كثيرة .. ألم يحلوا لهم إلا الاستشهاد بآيات يوم القيامة لصور فيها شيء من التزوير أحيانا – ولا أقول دائما حتى لا نكون قد ظلمناهم
فمن يعلم بهذا الأمر يحتج عليه – وأقصد بذلك أهل الكفر – فيقول بأن ديننا مبني على تزوير حاشاه من ذلك
وقد أوقع صاحب هذا الفعل نفسه في موقف لا يحسد عليه وهو يريد الخير وكم من مريد للخير لا يصيبه
فالصدق مطلوب وديننا ظاهر الحجة والدليل ويرفض التزوير وتلوين الكلام ليناسب أهواء الناس فهو قائم على حق ظاهر جلي لا يشوبه غبش ولا ظلمة ومن لم ير هذا الحق فقد طمس على قلبه فلم يفقه شيئا
فهل الذي لم يفهم – أو بالأحرى تكبر وعاند – من دليل واضح جلي أمام مرأى عينه هل يا ترى سيخضع لدليل مكذوب لم يره البتة بل جاءته بعض صور عنه
والحمد لله الذي أنعم علينا بكثرة الأدلة الظاهرة الجلية وأسأله سبحانه أن يجعلنا من أهل الحق الذين لا يزورون في الحقائق شيئا
ومثلها في عجالة :
1 - صورة انشقاق السماء كأنها وردة كالدهان :
وهذا ظاهر ولا يحتاج لتبيين لأن ذلك لا يحصل إلا يوم القيامة وما أسلفنا يكفي ويزيد
2 – صورة " كانتا رتقا " :
ولعلي أبين الخطأ فيها
وهي صورة للآية : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) [الأنبياء: 30].
فالتفاسير تقول بأن السماء والأرض كانتا ملتصقتين
فلا السماء تنزل مطرا ولا الأرض تنبت زرعا
ففتق الله بينها فجعل السماوات سبعا وأنزل المطر وأنبت الزرع
ولا يوجد دليل على كون هذا الفتق قد حدث بانفجار !
وإن كان كذلك فالله تبارك وتعالى قد فتقها قبل آلاف آلاف الأعوام
فهل كانت هناك آلات تصوير لتأتي لنا بهذه الصورة ؟!
وهذه الصورة كغيرها مما يستخف بها أهل الكفر بأهل الإسلام
ولا حول ولا قوة إلا بالله
ونظير ذلك من هذه الصور
ثالثا : -
وأما هؤلاء الذين غيروا مقصد الشريعة في علم الأسماء والصفات فالله المستعان على ما يقولون
إذ يقولون بأن التلفظ بأسماء الله تعالى يعطيك طاقة شفائية
ويعطيك شحنات لا أدري نوعيتها تعالج الأمراض مستدلين بآية من القرآن قد حرفوا كلمها عن موضعه { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } الرعد28
وبالرجوع إلى تفسير الآية :
حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَتَطْمَئِنّ قُلُوبهمْ بِذِكْرِ اللَّه } يَقُول :
سَكَنَتْ إِلَى ذِكْر اللَّه وَاسْتَأْنَسَتْ بِهِ .
أي أنه اطمئنان نفسي داخلي وليس معنويا
والمشروع في ذكر الله أو أسمائه عامة أن ندعوه بها
{ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الأعراف 180
وقد حذرنا الله عز وجل من الحيدة عن أصل أسمائه - وهو الدعاء بها - إلى الإلحاد فيها
وهؤلاء الذين يدّعون الإعجاز العلمي ويغلون فيه
وصل بهم التكلف إلى الإلحاد بأسماء الله تعالى
حتى جعلوا ذكر الله شفاء للجسم لا شفاء للنفس والقلب ؟؟!!
فبأي دليل يقولون هذا الكلام
ومن المعلوم في شرعنا أنه لا يجوز مشروعية شيء إلا بدليل من الدين
وهؤلاء يقولون ما لم ينزل به الله من سلطان ويلحدون في أسمائه
بل هو قول على الله بغير علم
قال الشيخ حامد بن عبد الله العلي في اقتباس لرده على مثل هذه الأمور : (( ... ولو كانت هذه الخصائص المزعومة بغير دليل ، من العلم النافع الذي يعرف به أثر هذه الأسماء الحسنى ، لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم دلالة أمته عليه ، فقد دلها على كثير من المنافع المؤثرة في التداوي في بعض السور والآيات ، وبعض الأذكار والكلمات ، وبعض الأدولة والنباتات ، ولم يذكر شيئا عن أثـــر أسماء الله الحسنى ، فكيف توصل هؤلاء على معرفة ما لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم عن أسماء الرب سبحانه ، وهو أعلم الخلق بالله تعالى ؟! ... ))
فهذا غلو كبير يؤدي إلى الهلاك دون أن يعلم صاحبه
إذ هو يجزم بأن دعاءه لله بالاسم الفلاني سيشفيه من المرض الفلاني فمن أين أتى بذلك الجزم وكيف يقول على الله ما ليس له به علم وهل ينزل عليه وحي من الله ليقر بما أقره
أم أنه متبع لهواه يريد أن يكسب بما يقول ود الناس أو يقربهم من الدين وما هو بمقربهم من الدين ما يقول
بل منفرهم ومبعدهم لأنهم وجدوا كلامه كذبا وبهتانا وزورا
وإن شئت فقل إنه يعلمهم التواكل وعدم الأخذ بالأسباب لأنهم لو كانوا قد عقلوا آيات الله وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم لما انحرفوا عنها إلى كلام الجهلاء أمثال الذين يقولون بأدعية غير ثابتة في السنة
ولأخذوا بأسباب الشفاء وأدعية الرقية وتوكلوا على الله
ولكن أمتنا واأسفاه تقبل غث القول وسمينه
وليحذر الإخوة من مثل تلك الأمور
التي تحسبها الأمة هينا وهو عند الله عظيم
ولست بذلك أقول ببطلان الدعاء بها .. فنرجو الانتباه بارك الله فيكم
فالذي أتحدث عنه هو ما يفعله عوام الصوفية مثل هذه الجملة : (( يا رحيم يا رحيم يا رحيم ... ))
أو (( الله الله الله .. ))
فهذا هو مقصدي من الكلام وأما أصل التشريع وهو الدعاء بها وهو الوارد في شرع الله تعالى
كأن يقول : ( يا رحمن ارحمني , أو يا شافي اشفني .. ) ونحو ذلك
فهذا أمر مشروع بل قد حببنا النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء وأمرنا به وأخبرنا بأن الله يحب العبد الذي يلح في الدعاء
وهنا لمن أراد الاستزادة في شأن هذه المسألة :
http://www.khayma.com/da3wah/50.html
رابعا : -
" اسم الله في كل اللغات ثلاثة أحرف "
وهذا الذي لا يرى فيه شيء إلا التكلف الزائد عن حده
إذ نحن نكتب الله بالإنجليزية Allah
لأنه اسم علم وأسماء العلم لا تحرف
كأن نقول أحمد = Ahmed
فكلمة الله = Allah
وليس كما هو مذكور
والصواب في هذا الأمر التالي :
أولا وهو المهم : أن اسم الله عز وجل في اللغة العربية ليس ثلاثة حروف وهذه أكبر حجة
ثم إن الله تعالى علوا كبيرا له أسماء كثيرة فهل كلها ثلاثة حروف ؟
ثانيا وهو الأهم : لو قلنا بهذا الكلام فهو حجة علينا لا لنا ولا أبالغ إن قلت أنه قد يدخل في كونه افتراء على الله تعالى
ففلان مثلا اسمه في كل اللغات له نفس عدد الحروف
فهل هو 000 عياذا بالله تعالى علوا كبيرا عما يشرك به الظالمون
وهذا قد يجعل النصارى يحتجون بقولهم عيسى أو يسوع أو روح القدس له نفس عدد الأحرف إذا هو إله ..!!
ثالثا وهو أهم من المهم : أن عدد الحروف ليس مقياسا للربوبية أو العبودية وحقائق العلم ليست قطعية الثبوت فلو اتبعنا جهلاء هذه الأمة في كل نقطة فلا أستبعد أن يخرجوا لنا بقول يقول أن الشخص الذي عدد حروف اسمه أكثر فهو أكثر تقى عند الله ؟ وهذا غير مستبعد فماداموا قد اعتدوا على اسم الله – تعالى علوا كبيرا عن ذلك – فسيعتدون على أسماء كثيرة غيره
وبعض الجهلاء جعل عدد أحرف الاسم مقياسا للذكاء والغباء
بل هو جاهل قليل علم لا يفقه من أمره شيئا ولم يعرف المقياس الحقيقي فجاء يدعي العلم بمقياس فاسد
فهل عدد الحروف أصبح مقياس ربوبية أو ألوهية أو ما دون ذلك من الأمور .. ألا هزلت !!
ثم حتى لو كان كذلك فديننا ليس بحاجة لإثباتات وتأكيدات
لقوله تعالى : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً " المائدة 3
فالدين قد اكتمل في حجة الوداع كما بينا سالفا
والله تعالى أمرنا بالتفكر في الكون لنعلم أنه إله حق وأنه دين حق وأنه رسول حق
وما يقوم به الناس من تكلف وابتداع هي أشياء ما أنزل الله بها من سلطان
خامسا : -
وخرج لنا ممن يدعي العلم من يقول لك : إذا قرأت القرآن على الزرع فإن محصوله يزداد !! ونظير ذلك من هذه الأقوال الجاهلة
فهل هذا كلام عاقل وهل لهذا القرآن نزل أم هل نسينا قضاء الله وقدره في هذه الأمور
ولو قلنا بأن أحدهم صغّر عقله وفعل ذلك بناء على جهل منه بمثل هذه الأمور وقدر الله للمحصول أن يكون قليلا
فإن كان من الجهلاء ضعاف الإيمان فسيقول قد فعلت ولم يزدد المحصول فيشككه الشيطان بدينه فيكثر شك نفسه وينسى أنه جاهل يأخذ غث القول وسمينه ولا يحكّم عقله
وينسى أنها أشياء ما نزل بها سلطان لا في كتاب ولا في سنة
ولا أمر الله بها وحيا ليوحي إلى رسول
وليس لهذا نزل القرآن وليست هذه حجة يستدل بها على صدقه
فهل نسينا تدبر القرآن وفهم معانيه وإعجازه
وحدنا عنه إلى اتباع الهوى والعقل ثم جعلها أمورا دينية
وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " لو كان الدين بالعقل لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره "
بل أضف إلى ذلك أن هذا ليس كلاما عن عقل بل هو كلام تكلف وغلو لابتداع أساليب تعبدية جديدة
ونسينا أو تجاهلنا أن القرآن مصدر التشريع الأول والسنة مصدره الثاني ثم إجماع فقياس فاجتهاد
وليس فيها كلها شيء مما يقوله هؤلاء وبعضهم يظن نفسه على خير ويحسب أنه يفعل خيرا وفعله مبني على جهل بأمور الدين والتشريع الإسلامي
والتكلف في الأمور يؤدي إلى الهلاك لا إلى النجاة
ولو كان في الأمر خير لسبقنا إليه خير صحبة لخير نبي
بل عن ابن مسعود قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هلك المتنطعون " . قالها ثلاثا ) . رواه مسلم
فها هو رسولنا عليه الصلاة والسلام ينهانا عن التنطع والتكلف في الأمور والغلو فيها لأن نهايتها إلى الهلاك بإجهاد نفس وإضلال غيرها وصرفها عن أصل الدين أحيانا فهؤلاء الذين قالوا هذا القول تراهم – أو لنقل معظمهم كي لا نظلم – يتعمقون في إخراج إعجازات علمية ويبتدعون أشياء جديدة ويتفننون في ذلك وينسون أصل نزول القرآن ألا وهو التدبر وتفهم المعاني { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } ( سورة ص : آية 29 )
وكأن هؤلاء يظنون أنهم يصبحون مثل الصحابة بتكلفهم وغلوهم
وقد جاء بالنص صريحا في سورة ص : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ{86} إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{87} وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ{88} )
وفي تفسير القرطبي : ( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ : أَيْ لَا أَتَكَلَّف وَلَا أَتَخَرَّصُ مَا لَمْ أُومَرْ بِهِ )
وقومنا في التكلف والتعسف يتفننون !!
فالله المستعان على قومنا ماذا يصنعون
تحسبون الأمر تورّعا وما هو بذلك
وإنه والله لأمر عظيم لو أنكم تعلمون
وقد يؤدي بكم إلى أن تجعلوا للكفار عليكم حجة
وأنتم تريدون الخير ولكنكم لا تصيبونه
فاتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه
سادسا : -
الإعجازات الشارحة لآيات الله :
هؤلاء الذين أرادوا أن يربطوا الآية القرآنية بحدث دنيوي أو أرادوا شرح الآية وإخراج إعجاز معجز منها ثم لم يحالفهم الحظ في موافقة هدي الإسلام فهؤلاء نسأل الله أن يهديهم
فكأنما يريدون إخراج الإعجاز رغما عنه
وهذا يحيد بالمسلمين عن مقصد الآيات القرآنية حيث بينا سابقا { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً } الإسراء106
وليس للبحث عن زوايا متعددة ومختفية ثم ترك أصل النزول وسببه وهو التدبر والفهم ثم أخذ العبرة والعظة
فهل رأينا أحدا يأخذ الفروع ويترك الأصول ! .. فما بالنا بمن أخذ بل قل اصطنع أطرافا للفروع ثم ترك الأصل الذي بنيت عليه فأنّى له أن يكون على حق ؟
ومثل ذلك ما رأيته ممن أراد أن يبين الإعجاز في آية : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } التوبة109
فعرج عن مقصد الآية إلى أنواع أساسات البناء ومواد البناء وزوايا البناء ونوع التربة المستخدمة للبناء .. ؟؟!!!!
فإنا لله وإنا إليه راجعون .. حولنا مقصد الآية إلى تصميم هندسي
قال ابن كثير في تفسيره : (( يَقُول تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّه وَرِضْوَان وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل فَإِنَّمَا يَبْنِي هَؤُلَاءِ بُنْيَانهمْ عَلَى شَفَا جُرُف هَارٍ أَيْ طَرَف حَفِيرَة مُثَالَة " فِي نَار جَهَنَّم وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " أَيْ لَا يُصْلِح عَمَل الْمُفْسِدِينَ ))
وهؤلاء جعلوا الآية خارطة مفاهيمية لبناء بيت بل قل لبناء قصر من كثرة ما دخلوا في تفاصيل البناء وما يلزم باني البيت ونوع المواد والتربة ونوع التأسيس وما يلزمه
تحت مسمى ( الإعجاز الهندسي )
ثم والله المستعان نسوا العبرة من الآية ومقصدها
فقد صدق الحبيب حين قال : " إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية "
وحين لا يجاوز التراقي فهذا يعني عدم الفهم وقومنا اليوم يخترعون طرقا لتجاهل الفهم والتدبر
وكل يوم تراهم يعرجون عن أصل التشريع أكثر فأكثر إلا من رحم الله منهم
فإنا لله وإنا إليه راجعون
ونسأل الله أن يأجرنا في مصيبتنا وأن يخلف لنا خيرا منها
سابعا : -
الإعجاز العددي في القرآن الكريم :
وأما هذه فسأضرب المثال كي يحكم أصحاب العقول بأنفسهم
(( جمع جاهل –أقصد عالم- الرقم 9 مع الرقم 2
والناتج بطبيعة الحال سيصبح 11
ثم قلل كمية العدد الأولى درجة وزاد الثاني درجتين
بطبيعة الحال سيصبح العدد الناتج 12 لأنه سيكون 8 + 5
وهكذا حتى وصل إلى الرقم 19 الذي يريد أن يبين عظمته ورفعته
فاستدل بهذا الجهل على عظم الرقم 19
– بطريقة شبه ساذجة يستطيع ابن السادسة أن يطبقها –
ثم أورد بعدها أن جملة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) حروفها تسعة عشر
ثم بدأ يضرب ويقسم ويجمع ويطرح ويزيد وينقص
يريد في النهاية وبأي شكل أن يصل إلى الرقم 19 ليستدل على الإعجاز فيه ))
وهنا انتهى مثال هذا الجاهل – المتستر في ثياب العلم -
فما قول الإخوة في مثل هذا الأمر
الذي لا يسمى إلا بالسفه .. فالتكلف قد طغى حده حتى وصل أرقام الحساب
ثم جعلنا أرقام الحساب دليل إعجاز ومصداقية
وقد بينا سابقا أن كل هذه الأشياء لا تعد دليلا على صدق شيء أو عدمه
وهي من مبتدعات الصوفية وغلوهم وكثرة سفههم
والذين يغلون في هذا الرقم هم عوام البهائية وخاصتهم ممن يعظمون البهاء ويألهونه
لأنه يعتبر حجة لهم على مصداق تأليههم له
والعدد 19 بالنسبة لهم شيء عظيم وحجة كبيرة لإثبات صدقهم
ويتكلفون في جعله دائما في مقدمة الإعجاز بطرق لا تمت للعلم بصلة ولو أنه ينطق لتبرأ منها
وبعض المنجرفين بهذا المجال يقومون بعمليات أعقد من التصور ليتوصلوا إلى ما يريدونه
وكأنما يريدون للجمل أن يدخل في سم الخياط
وفي صريح الآية المذكورة سابقا : { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً } الإسراء106
نزل لنقرأه على مكث وفي أخرى قال لتدبره
ولم يقل ليعدوا كلماته ويتكلفوا فيها ويستخرجوا حقائق من عدد الحروف
وإن كان الله عز وجل لم يذكر لنا تفاصيل بعض القصص التي لا فائدة منها كالاسم والمكان والزمان
فذلك يجعلنا لا نحيد عن أصل النزول ألا وهو التدبر ولا نشغل أنفسنا بما لا نفع منه ولا نمل من توافه الأمور
وقومنا قد اخترعوا بديلا عنها وشغلوا أنفسهم بما هو أتفه منها وليس فيه نفع ولا فائدة
فهذا أسوا من الانشغال بالتفاصيل التي لا نفع منها في القصص القرآني
وكتاب الله تعالى أجل من أن يتم فيه سرد لمجرد التسلية أو إضاعة الوقت وقد بينه تعالى في قوله : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [يوسف:111].
وهؤلاء يضيعون ويفرطون في الضياع
فكأنما ينهانا الله عن منكر فنأتي بأعظم منه ولا حول ولا قوة إلا بالله
ولعل المجال يتسع لقول الشيخ عبد الرحمن السحيم في تي المسألة : http://www.khayma.com/da3wah/66.html