اقتحمت قوة كوماندوز إسرائيلية ظهر أمس سفينة الشحن
الايرلندية «ريتشل كوري» في المياه الدولية على مشارف المياه الإقليمية
لقطاع غزة، وجرّتها الى ميناء اسدود الإسرائيلي، في ثاني عملية قرصنة خلال
أقل من أسبوع تحدّت خلالهما إسرائيل المجتمع الدولي الذي يطالب برفع
الحصار عن غزة، وكذلك القانون الدولي الذي يعتبر الحصار والقرصنة جريمة
حرب.
وأعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن ارتياحه لاعتراض
السفينة من دون «سقوط ضحايا»، وقال في بيان: «رأينا اليوم الفارق بين مركب
لدعاة سلام نختلف معهم لكننا نحترم حقهم في أن يكون لهم رأي مخالف لرأينا،
وسفينة حقد ينظمها متطرفون أتراك مناصرون للإرهاب». وأضاف: «في كلا
الحالتين تصرفت دولة إسرائيل بالطريقة نفسها بغية فرض احترام الحصار
البحري لمنع تهريب أسلحة (لحركة حماس) والسماح بدخول بضائع مدنية الى غزة
بعد تفتيشها».
وأوضحت ناطقة باسم الجيش الإسرائيلي لوكالة «فرانس برس»: «صعدت قواتنا
الى متن السفينة وسيطرت عليها من دون مقاومة من الطاقم والركاب. جرت كل
الأمور من دون عنف»، موضحة أن السيطرة على السفينة تمت في المياه الدولية.
وقالت مصادر إعلامية إسرائيلية إن نحو 25 جندياً تسلقوا سلالم الى سطح
السفينة منتصف ظهيرة أمس، بعد ساعات من المطاردة في المياه الدولية، مضيفة
انه لم تتم عملية انزال من الجو من مروحيات عسكرية كما في المرة السابقة.
وتابعت أن عدداً آخر من الجنود صعد الى السفينة من دون اطلاق نار، بعدما
قطعت سلطات الاحتلال كل اتصال مع السفينة من خلال التشويش على أجهزة
الاتصالات والملاحة البحرية.
ولم يبدِ نشطاء السلام التسعة عشر من «حركة غزة الحرة»، الذين كانوا
على متن سفينة الشحن المسجلة في ايرلندا، أي مقاومة عنيفة لقوات
الكوماندوز الإسرائيلية. وكان القبطان وطاقمها رفضوا منذ فجر أمس نداءات
إسرائيلية بالتوجه الى ميناء اسدود مباشرة لتفريغ حمولتها كي يتسنى نقلها
الى قطاع غزة لاحقاً، كما رفضوا التوقف وعدم استمرار الإبحار في المياه
الدولية في اتجاه شاطئ قطاع غزة المحاصر منذ سنوات طويلة.
وكانت قوات كوماندوز إسرائيلية اقتحمت فجر الاثنين الماضي ست سفن تابعة
لائتلاف «أسطول الحرية» وارتكبت مجزرة على متن سفينة الركاب التركية
«مرمرة». وتعتبر «ريتشل كوري» إحدى سفن «أسطول الحرية»، لكنها تأخرت في
الوصول بسبب سرعتها البطيئة.
وقالت عضو في «حركة غزة الحرة» لـ «الحياة» إن الهدف من الإصرار على
تسيير سفينة «ريتشل كوري» هو «كسر الحصار عن غزة»، مشدداً على أن «القضية
سياسية وليست إنسانية أو إغاثية فقط، على رغم أهمية إيصال المساعدات
الإنسانية للشعب الفلسطيني، خصوصاً أن إسرائيل تمنع ادخال الكثير من
السلع، من بينها مواد البناء والمواد التعليمية والكتب».
وكان عشرات الصحافيين الفلسطينيين والأجانب توافدوا فجر أمس الى ميناء
الصيادين البدائي الصغير على شاطئ مدينة غزة لمتابعة التطورات في شأن
السفينة. وخاب أملهم مثل مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون في القطاع،
لكن عزاءهم الوحيد أن إسرائيل لم ترتكب مجزرة هذه المرة، وسعت الى التعامل
بلطف مع الناشطين كي تربح جولة إعلامية بعد هزيمتها في المعركة الإعلامية
المتعلقة بالمجزرة. وتوجه عشرات الصحافيين الى ميناء اسدود الإسرائيلي
لتغطية وصول السفينة.
وتحمل السفينة على متنها 550 طناً من الأسمنت، و650 طناً من المواد
التعليمية والكتب الجامعية، ولعب أطفال، ومعدات طبية، و 11 شخصاً هم خمسة
ايرلنديين، من بينهم الحائزة على جائزة «نوبل» للسلام موريد ماغواير،
والمساعد السابق للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص الى العراق
للشؤون الإنسانية دينيس هوليداي، وستة ماليزيين، من بينهم المستشار
السياسي لرئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، وطاقم مكون من ثمانية أفراد هم
بريطاني وكوبي وستة من الفيليبين.
ودان الفلسطينيون «القرصنة الجديدة» في حق «ريتشل كوري»، وهو اسم ناشطة
السلام الأميركية التي سحلتها جرافة عسكرية إسرائيلية ضخمة في 16 آذار
(مارس) 2003 عندما كانت تتصدى لهدم منازل الفلسطينيين في مدينة رفح أقصى
جنوب القطاع، ورأى كثير من الفلسطينيين أن إسرائيل باقتحامها السفينة إنما
قتلت ريتشل كوري مرتين.
«حماس» تندد بالمكابرة غير المجدية
واعتبرت «حماس» أن اقتحام السفينة نوع من «المكابرة» غير المجدية،
مضيفة أن «العدو الصهيوني لا يزال يكابر ويعاند المجتمع الدولي والعالم
أجمع، ويحاول أن يُظهر بأنه غير مبالٍ وغير مكترث من أزمة مجزرة الحرية،
وأنه اليوم يعيد كرةَ السفينة التركية نفسها مع سفينة ريتشل كوري ويمنعها
من الوصول الى غزة». وقال القيادي في الحركة الدكتور صلاح البردويل إن
«العدو الصهيوني بهذا الصلف والعنجهية، فإنه يقدم خدمة مجانية لقطاع غزة،
وهي أن العالم بدأ يقتنع يوماً بعد يوم بأن الحصار غير قانوني وغير شرعي
ولا بد من كسره من كل المستويات». وأضاف أن الجهات الداعمة لإسرائيل
والمجتمع الدولي والولايات المتحدة وأوروبا ودول العالم جميعاً «باتت على
قناعة بأن الحصار ظالم وغير مجدٍ وغير قادر على تغيير الخريطة السياسية
التي صنعتها حماس بصمودها».
وفي شأن ما تناوله بعض وسائل الإعلام عن بحث الإدارة الأميركية مع
السلطة الفلسطينية وإسرائيل من طريق جديد لإيصال المساعدات الإنسانية إلى
غزة، اعتبر البردويل أن «مثل هذا الأسلوب ينطوي على أهداف، أهمها تخفيف
الحرج عن الكيان الصهيوني وامتصاص النقمة الدولية على الحصار المفروض على
قطاع غزة»، علاوة على «قطع الطريق على حماس حتى لا تستفيد سياسياً من
نتائج هذه القوافل المتضامنة واستمرار الضغط السياسي عليها إضافة الى
«إحباط الجهد التركي للاعتراف بنتيجة الانتخابات الشرعية التي عبر عنها
رئيس الوزراء التركي حين رفض اتهام حماس بالإرهاب وأكد أنها حركة منتخبة
وتقاوم من أجل فلسطين».
بدورها، دانت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» اقتحام السفينة، ودعت
الأمم المتحدة وأمينها العام ومؤسساتها ذات الصلة إلى «تحمل مسؤولياتها في
إدانة ومعاقبة الاحتلال»، كما دعت الولايات المتحدة ورئيسها الى «الكف عن
خداع الشعوب العربية والإسلامية، والتوقف عن الدعم الأعمى واللامحدود
لدولة الاحتلال».
ودعا عضو اللجنة المركزية لـ «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» صالح
ناصر الى «استمرار تدفق سفن كسر الحصار عن قطاع غزة»، مطالباً «برفع
الحصار الظالم عن القطاع براً وبحراً وجواً». ووصفت «الحملة الفلسطينية
الدولية لفك الحصار» في شبكة المنظمات الأهلية في غزة اقتحام السفينة بأنه
«اعتداء آثم». كما شارك عشرات الصحافيين أمس في وقفة تضامنية مع شهداء
«أسطول الحرية» وزملائهم الإعلاميين الذين كانوا على متنه. واعتبر رئيس
المكتب الإعلامي الحكومي صاحب الدعوة الدكتور حسن أبو حشيش أن الإعلاميين
استطاعوا أن يكشفوا الوجه الحقيقي للاحتلال من خلال تغطيتهم المتواصلة
للاعتداء على المتضامنين العزل على متن الأسطول، فيما شكر مدير مؤسسة
الإغاثة التركية في غزة محمد كايا الصحافيين في غزة وعلى متن الأسطول لنقل
الصورة الحقيقية.