مع بدء مولد انتخابات مجلس الشعب، تذكرالنواب والمرشحون دوائرهم فجأة، وبدأوا يكررون على مسامع أهالى دائرتهموعودهم السابقة فى الانتخابات الماضية التى لا تعد ولا تحصى، لكن الناخبينفى القرى همهم ينحصر فى ثلاث أمنيات «لقمة نضيفة وشوية مية حلوين وأرضمروية»، يداعب بهم المرشح أسماع ناخبيه حتى اعتلائه كرسى البرلمان، ولكنهذه الأمنيات تنتهى بقليل من النفحات من «حضرة النائب».. طوال فترة الخمسسنوات هى عمر الدورة البرلمانية ثم يعاود النائب نشاطه من جديد معالانتخابات الجديدة.
ثلاثة أيام قضتها «اليوم السابع» فى 6 قرى بمحافظات الوجه القبلى والبحرىشبعت وارتوت من وعود المرشحين الرنانة أكثر من 20 عاما. المحطة الأولىكانت داخل ثلاث قرى فى المنصورة محافظة الدقهلية، بدأناها برواية «عطية»سائق التاكسى الذى رافقنا عن أسرار الموسم الانتخابى وكيف يتعامل المرشحونمع الناخبين وقال ساخرا: «نواب مين إحنا ما بنشوفش أى نائب أو مرشح ولانعرف عنه أى حاجة إلا فى موسم الانتخابات، ولما بيجى بيحاول «يرش»، علىأصحاب الأصوات فلوس، أقفاص خضار، لناس محددة» مؤكدا أن قرية سندوب من أكثرالقرى التى تشهد توزيعا للعطايا نظرا لكثرة عدد أصوات الناخبين، ويقول:الاستعداد للانتخابات بدأت مبكرا هذا العام برصف للطرق القديمة وتوزيعالمعونات والأموال.
المشهد السائد بقرية سندوب أو «عزبة فاطمة هانم»، ابتداء من طريق مصرالمنصورة الزراعى وحتى أعتاب القرية، كل لافتة تعرض أجندة المرشحالانتخابية، ووعود وطموحات المرشح عن مستقبل مشرق لأهالى القرى، والمفارقةأن أهالى القرية اتفقوا على أنهم لا يعرفون شيئا عن أى من المرشحين.
«سندوب» تعيش كارثة بيئية وصحية بجميع المقاييس، فأهالى القرية يعتمدون فىرى أراضيهم الزراعية على مياه ملوثة بمخلفات الصرف الصناعى، وليس مياه نهرالنيل. آلاف الأفدنة الزراعية بالمنصورة تروى من مصرف المنصورة الزراعىبجوار المنطقة الصناعية بقرية سندوب بمدخل المنصورة، والذى يتلقى مخلفاتصناعية خطيرة لثلاث شركات صناعية بالمنصورة، شركة الراتنجات التى تنتجالفورمالين والفينول، وشركة الدقهلية للغزل والنسيج التى تصرف أصباغها،وشركة الزيوت والصابون، مما يؤدى إلى عدم نمو المحاصيل، وإصابة عشراتالأهالى بأمراض الفشل الكلوى والكبد، أما مقلب القمامة الواقع على بعدأمتار من القرية الذى تحرق به مخلفات الأراضى الزراعية وتصيب الأهالىبأمراض الحساسية والصدر، والأهالى يشربون مياها مخلوطة بالصرف الصناعى، كلهذا لا يشاهده المرشحون، الذين يهتم كل منهم بطرح وعود بعيدا عن المشاكلالأساسية، ولا أحد يهتم بالمرضى ولا بزراعات الصرف.
وجدية المرسى حسين، ربة منزل وأم لثلاث أطفال، ترى أن «أكبر مشكلة تواجهناهى تلوث المياه فى الحنفيات ولونها أخضر شكل الصابون، وجوزى على باب اللهبنكفى أنفسنا بالعافية ومنقدرش على شرا الميه».
وعندما سألناها لماذا لا تستغل موسم الانتخابات وتلجأ للنائب عن الدائرة..تضحك وتقول: «إحنا عزبة مهملة، أنا بقالى 15 عاما عايشة فى المنطقة دىعمرى ما شفت حد من المرشحين عندنا، ولا حد بينزل يشوف مطالبنا».
أما أحمد إبراهيم، طالب بالثانوى، فيقول: «مافيش غير مدرسة واحدة عندنا ولازم نركب مواصلتين حتى نتعلم».
وأكدت الحاجة فوزية أنها امتنعت عن شراء الخضار من القرية، خوفا على صحةأطفالها واضطرارها للذهاب لسوق بالمنصورة الواقع على بعد خمس وأربعيندقيقة من القرية لشراء جميع مستلزماتها.
أما المحطة الثانية فكانت عزبة شاوه، التى تروى أراضيها أيضا بمياه ملوثة،ويقول الحاج محمد السيد الذى يملك 9 قراريط، وكان جالسا أمام عربته الكاروفى حالة من الهم والحزن الشديد، إنه لا طريق أمامهم إلا الرى بمياه ملوثة«وإلا الأرض تبور».
وحول حال البلد فى موسم الانتخابات رد عم محمد بحدية شديدة:«الله الغنى عنعطاياهم، إحنا مش عايزين حاجة من اللى بنشوفه بيتوزع، عايزين بس حد يوفرلنا شوى ميه نظيفة نروى بيهم الأرض».
المحطة الثالثة كانت بقرية منية سندوب الواقعة على بعد15دقيقة من قريةسندوب وعزبة شاوه، التى تستلزم ركوب مواصلتين، وهى قرية حالها لا يختلفكثيرا عن باقى القرى بل يمكن اعتبارها «أفضل الأسوأ»، وأكد بعض الأهالىأنهم يعانون من دخان مصانع السماد بطلخا المحملة بمادة الأمونيا، التىأصابتهم وأصابت أطفالهم بأمراض الحساسية والصدر، كما أكد الكثيرون أنهملايعلمون شيئا عن المرشحين ولم يقم أحدهم بالنزول للقرية ومعرفة مطالبهم،اللهم إلا الأعياد والمآتم بقريتهم.
وأكد أحمد إبراهيم المصرى، 35 سنة، صاحب محل للبقالة، أن أكثر ما يعانونمنه هو المبيدات المسرطنة التى يحتكرها أحد رجال الأعمال ومرشح العمالبالدائرة، ورغم شكواهم المتعددة لكن لا مجيب لهم.
لكن عم عبدالرحيم خضر، 62 عاما، وحارس مسجد القرية أكد أن جميعالاستثمارات بالقرية قام بها رجل أعمال كويتى، ولا يعرف شيئا عن المرشحينولا يراهم أهل القرية إلا فى المآتم والأعياد ووقت الانتخابات.
وحصلت «اليوم السابع» على مستندات أصدرتها وزارة الصحة تؤكد أن المياهالتى تصرف بالمصرف مياه غير معالجة وغير صالحة للاستهلاك الآدمى، بالإضافةلتأثير تلك المياه على المياه الجوفية التى يعتمد عليها الكثير من هذهالقرى فى شربهم ورى زراعاتهم، مما يسبب الضرر لآلاف الأفدنة الزراعية لقرىعزبة شاوه، وسندوب، وتليانة، ومنية سندوب، وبلجية، وعزبة بلجية، وجميزةبلجية، بالإضافة إلى إحداثه هلعا دائما للأهالى نتيجة الفرقعات المتكررةداخل المصنع وتناثر مواد حمراء اللون فى الهواء تترسب على جدران المنازل.
«مافيش وحدة صحية.. عايزين علاج.. عايزين صرف صحى.. حلمنا نشرب شوية ميهنضيفة مافيهاش تيفود»، هكذا كان لسان حال أهالى قرية الغزاوية إحدى قرىمحافظة القليوبية، قرية الـ 6 آلاف نسمة.
الغزاوية قرية صغيرة تجمع بين المساكن الثلاثة والأربعة طوابق، والبيوتالمصنوعة من الطوب اللبن، مدخل القرية ينبئ عن جزء ليس بالهين من وجعأهالى القرية، فالطرق غير ممهدة، وتلال القمامة وروث الحيوانات وبقايا ردمالمنازل هى المشهد المسيطر على جميع الطرقات، ولكن عندما سألنا عن السببكانت الإجابة بأن «العيب على الأهالى لأنهم رفضوا الاشتراك فى مشروعالقمامة والذى يتكلف 6 جنيهات شهريا، لذا عليهم تحمل عواقب سلوكهمالوخيمة»، إلا أن الأهالى أكدوا أنهم لو كانوا رأوا بأعينهم عربات تجميعالقمامة تأتى بشكل منتظم وتهتم بنظافة حالهم ما كانوا انقطعوا عن سدادالشهرية ولو على حساب قوت عيالهم، حيث أكدت لنا إحدى السيدات أن عربةالقمامة تأتى كل 15 يوما للبلد.
وأكد معظم الأهالى أنهم لا يعلمون من هو المرشح، اللهم إلا علمهم بأنهيأتى كل موسم انتخابات على بيت العمدة، وبعد نجاحه يبتعد عن الدائرة ولايستمع لشكاوى الفلاحين مطلقا، لكن الشىء الأغرب والطريف أيضا تأكيد رجل منالفلاحين أنه رأى المرشح بعينه وهو يقبل أحد الفلاحين أثناء موسمالانتخابات الماضى، لكنه بعد نجاحه لم ير وجوهنا.
وجع الفلاحين لم يقتصر على تلك الشكاوى فحسب، بل أكدوا جميعا عدم تمتعهمبأى خدمات اجتماعية أو طبية، واضطرارهم للسفر لمدينة طوخ لتلقى العلاج،راجين من الله ألا يمرض لهم عزيز بأوقات الليل وإلا «فعليه ألف رحمةونور»، فضلا عن عدم وجود كوب ماء نظيف بالقرية، واضطرارهم لشرب مياه ملوثةمما يعرضهم للأمراض.
وقالت الحاجة فوزية، 66 عاما، إنها تتقاضى معاشا 50 جنيها، وتشتكى من عدموجود «عيش» مضيفة: «حتى العيش مش موجود، كل 10 أنفار بيصرفوا 5 أرغفة عيش،والمواشى مابترضاش تأكله»، مضيفة أن العلاج غال جدا وأنها لو شعرت بإعياءتضطر للسفر لطوخ ولو فى أوقات الليل.
مشاكل قرية الغزاوية لا تقف عند حد رغيف العيش بل أكد الكثيرون أن مشكلتهمالعظمى فى منعهم عن زراعة الأرز، بعد أن اعتادوا على زراعته ى السنواتالماضية وكان يساعدهم اقتصاديا.
وفى محافظه الفيوم، تحديدا بقريتى أطسا والبابور اللتين تحملان طابعاًخاصاً يميزهما عن باقى القرى المصرية الموسومة بالفقر، فالهجرة غيرالشرعية والعنوسة وارتفاع حالات وفاة الأطفال هى الثالوث المسيطر علىالقريتين وتحديدا قرية أطسا المدرجة ضمن تقرير التنمية البشرية الوارد عنالأمم المتحدة الإنمائى لعام 2006/2005 باعتبارها من أفقر 10 قرى.
أغلب المنازل بالقرية مغطاة بأكوام من القش وفروع الخشب، ولا مكان للمبانىالخرسانة، فمعظمها بالطوب اللبن، تفوح منها رائحة عفنة نتيجة «طفح المياهالجوفية»، فالقرية لا يوجد بها صرف صحى يخلصها من تلك الفضلات، فضلا عنالكلاب الضالة التى تهدد أمن الأهالى باستمرار مما يدفعهم للمكوث داخلمنازلهم «فرائحة المجارى أهون من فقدان رب الأسرة أو أحد الأطفال»، ناهيكعن أكوام القمامة الموجودة أمام أبواب المنازل والمتناثرة بكل منطقةبالقرية، فضلا عن إلقاء مزرعة الدواجن مخلفاتها أمام أهل القرية.
وقال عم حسين، عامل باليومية، إن كرنبة المحشى وصل سعرها إلى 12 و15جنيهابالأسواق، مؤكدا أنه لم يذق اللحمة ولا أولاده منذ ما يقرب من 5 سنوات.
وأضاف: «جميع المناطق بالقرية تعانى من المياه الجوفية، حتى مسجد القريةغارق فى مياه المجارى»، مؤكدا أنهم فى تلك الأزمة منذ أكثر من 20 عاما،مضيفا: «اشتكينا كتير، وكل مانشتكى ماحدش يرد لينا»، وبسؤاله عن النائبالحالى قال: «مانعرفوش ومابنشفهوش خالص».
المشكلة التى تواجهها قرية أطسا أن معظم الخدمات والمرافق المهمة تبعدعنها بضعة كيلومترات، مما يضاعف من حدوث كارثة، فبحسب كلام محمد، 13 عاما،فإن القرية لا يوجد بها مستوصف، والمدرسة الإعدادية تبعد عن القرية مسافة15 دقيقة، وركوب العربات يستغرق وقتا طويلا، مؤكدا أن كل 10 أمتار توجدأكوام قمامة أو مياه جوفيه «طافحة عليهم»، مشيرا إلى أن ملاذ الأطفالالوحيد أصبح فى اللعب بتلك المستنقعات، وأحيانا يستحمون بها مما يسببحالات الوفاة لكثير منهم.
وأكد ما سبق محمد خليل، فتلك البرك قتلت أطفاله الثلاثة وعددا كبيرا منأطفال القرية، مضيفا أن المأساة الحقيقية لأطسا تكمن فى الهجرة غيرالشرعية لكثير من الشباب نتيجة حاله القرية التعبانة والفقيرة.
أما عن مدى معرفتهم بالنائب الحال فجّر رضا عبدالمنعم، عامل باليومية،مفاجئة من العيار الثقيل قائلا: إحنا 30 ألف مواطن كلنا لينا أصوات، لكنناعمرنا ما انتخبنا، ومع ذلك بنلاقى أصواتنا مدرجة بالكشوف الانتخابية.
وأضاف عم رضا: أنا بقالى 13 سنة عايش هنا عمرى ما شفت مرشح ولا سمعت عنه.