من أجمل وأعجب قصص القرآن الكريم ، قصة عبد أتاه الله رحمة من عنده وعلّمه من لدنه علماً .. تبدأ القصة بهذه الآيات الكريمة :
" وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا " .[ الكهف : 60].
في كتاب صحيح مسلم باب يدعى من فضائل الخضر عليه السلام ، ويحكي قصة
سيدنا الخضر مع نبي الله سيدنا موسى عليه السلام ، ووافقه البخاري
والترمذي ، وهو ما سنتناوله :
حدّثنا عمرو بن دينار عن أُبيّ بن كعب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" قام موسى عليه السلام خطيباً في بني إسرائيل ، فسُئل : أي الناس
أعلم . قال : انا أعلم . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : فعتب الله عليه
إذ لم يرُدّ العلم عليه ، فأوحى الله إليه أن عبداً من عبادي بمجمع
البحرين هو أعلم منك . قال موسى عليه السلام : أي ربّ ، كيف لي به ؟ فقيل
له : إحمل حوتاً في مكتل ، فحيث تفقد الحوت فهو ثَمّ ( أي هو هناك) .
فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نون ، فحمل موسى عليه السلام حوتاً في
مكتل وانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا صخرة ، فرقد سيدنا موسى عليه السلام
ثم اضطرب الحوت في المكتل حتى خرج منه فسقط في البحر . قال : وأمسك الله
عنه جِرية الماء حتى كان مثل الطاق ، ثم انطلقا بقية يومهما وليلتهما
ونسيَ صاحب موسى عليه السلام أن يخبره ، فلما أصبح موسى عليه السلام قال
لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً . قال ولمْ ينصب حتى
تجاوز المكان الذي أُمِر به . قال : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت
الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ً .
قال موسى عليه السلام : ذلك ما كنا نبغ ، فارتدا على آثارهما قصصا . قال
يقصّان آثارهما ( أي يتتبعان الآثار التي تركاها ) حتى أتيا الصخرة فرأى
رجلاً مسجّى عليه بثوب ، فسلم عليه موسى عليه السلام . فقال له سيدنا
الخضر : أنّى بأرضك السلام ؟ ( أي من أين السلام في أرض لا تعرف السلام )
قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم . قال : إنك على علم
من علم الله عَلّمَكَه الله لا أعلمه ، وأنا على علم من علم الله علمنيه
لا تعلمه . قال له موسى عليه السلام : هل أتّبعك على أن تعلمني مما عُلمت
رشداً ؟ قال : إنك لا تستطيع معي صبراً ، وكيف تصبر على ما لم تحط به
خبراً . قال : ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً . قال له
الخضر : فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أُحدث لك منه ذكراً . قال :
نعم .
فانطلق الخضر وموسى عليهما السلام يمشيان على ساحل البحر ، فمرّت
بهما سفينة فكلماهم أن يحملوهما ، فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول ( أي
بغير أجر) . فعمد الخضر عليه السلام إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه ،
فقال له موسى عليه السلام : قوم حملونا بغير نول ، عمدت إلى سفينتهم
فخرقتها لتغرق أهلها ؟ لقد جئت شيئاً إمراً ( أي شيئاً عظيماً كثير
الشدّة) . قال : ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً . قال : لا تؤاخذني بما
نسيت ولا تُرهقني من أمري عُسراً . ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما
يمشيان على الساحل إذا غلام يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر برأسه فقتله .
فقال موسى عليه السلام : أقتلت نفس زاكية بغير نفس ( أي نفس طاهرة بغير
قصاص لك عليها ) لقد جئت شيئاً نًكراً . قال : ألم أقل لك إنك لن تستطيع
معي صبراً ؟ قال : وهذه أشدّ من الأولى . قال سيدنا موسى : إن سألتك على
شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً ( أي بلغت إلى الغاية التي
تُعذَر بسببها في فراقي . فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها
فأبوا أن يضيًفوهما ، فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه ( أي قرب من
السقوط) . قال موسى عليه السلام : قوم أتيناهم فلم يُضيّفونا ولم يطعمونا
، لو شئت لتخذت عليه أجراً . قال الخضر عليه السلام : هذا فراق بيني وبينك
، سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً . قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :" يرحم الله موسى ، لوددت أنه صبر حتى يقص علينا من أخبارهما " قال
: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كانت الأولى من موسى نسياناً " .
قال :" وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر ، فقال له
الخضر : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من
البحر ".
قال الخضر عليه السلام : سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً .
أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ..إلى آخر الآية الكريمة ،
فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزها فأصلحوها بخشبة . وأما الغلام
فطُبع يوم طُبع كافراً وكان أبواه قد عطفا عليه ، فلو أنه أدرك ، أرهقهما
طغياناً وكفراً ، فأردنا أن يبدلهما ربهما منه زكاة وأقرب رحماً ( أي
صلاحاً ورحمة بأهله ) ، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان
تحته كنز لهما .. إلى آخر الآية الكريمة .