موضوع: عسل «أحمد حلمي» الثلاثاء 08 يونيو 2010, 1:45 am
التقيت «أحمد حلمي» مرة واحدة فقط، كان ذلك عام 2002 عندما نال أول بطولة له في فيلم «55 إسعاف» إلي جوار غادة عادل ومحمد سعد، يومها كنت مديرا لمكتب قناة «أبوظبي» ولم أكن مهتماً بالنقد الفني لطبيعة انشغالي بالقضايا السياسية، لكن لظروف غياب مراسل الفن اضطرت لتغطية موضوع الفيلم ولم أكن قد شاهدته، سألت أحمد حلمي عن موضوع الفيلم فلم يجب، فطرحت عليه أسئلة بسيطة لكنها عميقة: ماذا أضفت للفيلم؟ وما الذي أضافه الفيلم لفنك؟ ماذا تريد أن تصنع للسينما المصرية مستقبلا؟، في هذا الوقت لم يكن أحمد حلمي نجم النجوم، صاحب أعلي إيرادات في التاريخ السينمائي المصري.. لكنني أستطيع أن أدعي الآن أنه جاوب عن أسئلتي بكل صدق وأمانة، ففي كل فيلم جديد أجد له إضافة قوية لفنه، وللسينما المصرية، يحسن أحمد حلمي اختيار أدواره، يفاجئنا بموضوعاته المتنوعة وبأدائه الطبيعي المتميز.
فيلمه الأخير «عسل إسود» نقلة مهمة في تاريخه، فبعدما استقر له الحال، أدخل نفسه باختياره إلي «عش الدبابير» باقتحامه السياسة بكل ما فيها من ألاعيب وحيل قذرة، ولم يكمل فيلمه أسبوعه الثاني حتي بدأت حملة تشويهه باتهامه في الصحف القومية بالنهش في جذور الشخصية المصرية وبتشويه سمعة المصريين لصالح أطراف أخري، وهي تهمة بليدة يعلقونها في رقبة كل من يحاول تسليط الأضواء علي سلبياتنا حتي نعالجها ونخرج منها.
وبرغم محاولات خالد دياب - كاتب السيناريو - إحداث حالة من التوازن عبر نقد استكانة المصريين وركونهم إلي الذلة وانتظار الفرج وتلقي بعضهم للرشاوي في «رمضان» والتمسح بالدين في المظهر لا الجوهر، وفي الوقت نفسه إظهار حالة الدفء والألفة التي تميز الأسرة المصرية والشارع والحارة ومجدعة أولاد البلد، إلا أن ذلك لا يعجب من يرغبون في «تزويق» مصائبنا وتجميل سلبياتنا بهدف طمس معالم الحقيقة المرة.
صحيح أن الفيلم يحتوي بعض المبالغات غير الواقعية مثل إلقاء البطل جواز سفره المصري من شرفة الفندق بعدما امتهنت كرامته كمواطن، لكن تلك هي مقتضيات الحبكة الدرامية، بل علي العكس.. عبر السيناريو الذي جسده أحمد حلمي عما يحدث فعلا للأجانب وللمصريين المقيمين في الخارج حين يشربون ماء النيل وحين يتناولون أكلة «فسيخ»، وحين تزعجهم سلوكيات العامة بإلقاء القاذورات من النوافذ وفي الشوارع التي امتلأت بكل أنواع الزبالة حتي في طرقات الزمالك والمهندسين والمعادي أرقي أحياء مصر المحروسة.
الفيلم في الواقع يحاول أن يعكس إيجابيات مصرية تكاد أن تختفي من واقعنا المعاصر مثل حالة الطبق الدوار بين سكان المبني، ومساندة الجيران لشخص لم يروه منذ 20 سنة دون مصلحة مباشرة معه في مقابل محاولة إظهار المجتمعات الغربية من حيث جاء «البطل» وكأنها مجموعات وحوش لا تعرف الدفء أو الأخلاق أو الصداقة.
عكس الفيلم في مجمله حالة صادقة من واقعنا الأليم .. فشل أسلوب التعليم الذي جسدته «إيمي سمير غانم» بجدارة.. مواطن معتصر ويائس من المستقبل يجد في الصلاة والتدين مسكناً يعينه علي الصبر جسده «إدوارد» بكفاءة تؤشر بانطلاق مواهب أخري غير كوميدية.. «أم» حنون تجمع العائلة تحت جناحها برقي وأصالة وصرامة.. جسدته «إنعام سالوسة» بأروع أدوارها.. فضلاً عن أدوار مميزة لابنتها الكبري وزوجها في تجسيد رائع لما تعانيه الأسر المصرية الناشئة من مشكلات.
أثبت «أحمد حلمي» في فيلمه قدرته، ليس فقط علي قدرته نيولوك جديد، وإنما علي صناعة كوميديا الموقف التي تجعلنا نضحك علي أفلام الريحاني وإسماعيل ياسين حتي الآن وليس كوميديا اللفظ التي تتغير بعد جيل واحد فتفقد معناها وقيمتها.
اختيارات «أحمد حلمي» برزت أيضا في اللجوء إلي الموسيقار عمر خيرت الذي أضفي بلمساته علي الفيلم موسيقي تصويرية غير مألوفة علي المشاهد المصري بل وتناسب حالة المواطن «مصري» بطل الفيلم القادم من ثقافة غربية تتمازج مع الموسيقي، كما انسجم الاختيار مع مخرج الفيلم الذي أبدع كثيرا وزاد إبداعه في تتر الفيلم الختامي الذي يحمل رسائل عديدة للمشاهدين عما حدث بعد أن قرر المواطن «مصري» الاستقرار في مصر.. لكن للأسف يسارع الجمهور إلي الخارج فور بداية «التتر» .. عادة مقيتة ينبغي أن تتغير.